المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة  | اتصل بنا

المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة
×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 566
نشر في ثقافة

الاعتكاف

الثلاثاء, 20 حزيران/يونيو 2017 09:11

الاعتكاف لغة:...لزوم الشيء، وحبس النفس عليه، أو هو: حبس النفس عن تصرفات ‏مخصوصة يؤديها عادة، ويطلق على الحبس على الخير كما في قوله -تعالى-: (وَالْمَسْجِدِ ‏الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) [الحج: 25]، كما يطلق على ‏الحبس على الشر، في مثل قوله -تعالى-: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) [‏الأنبياء: 52]، وقوله -تعالى-: (يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ) [الأعراف: 138]، وقوله ‏-سبحانه-: (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا) [طه: 97].‏

والاعتكاف شرعًا:

الإقامة في المسجد على صفة مخصوصة بنية التعبد لله رب العالمين، ولا ‏يكون الاعتكاف شرعًا إلا في المساجد، إذ لا يسمى من اعتكف في غيرها معتكفًا شرعًا.

والاعتكاف فيه تسليم النفس لعبادة الله -تعالى- بالكلية، وإبعادها عن الاشتغال بالدنيا ‏الأشغال المانعة من التقرب لله رب العالمين. ‏

والاعتكاف مشروع، ولا يجب إلا على من نذره، ودليل مشروعيته من القرآن: (أن طهرا ‏بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) [البقرة: 125].

والاعتكاف فاضل في كل وقت وهو في رمضان، لاسيما في العشر الأواخر منه أفضل وآكد؛ ‏لقوله -تعالى-: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) [البقرة: 187]، وجاءت في ‏آيات الصيام. ‏

ولحديث عائشة -رضي الله عنها-، وابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن النبي -صلى الله عليه ‏وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان". ‏وفي حديث عائشة -رضي الله عنها-: "حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده". ‏

قال النووي: "إن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه ‏وأصحابه إنما اعتكفوا في المسجد مع المشقة في ملازمته، فلو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة، ‏لاسيما النساء؛ لأن حاجتهن إلى البيوت أكثر". ‏

واتفق العلماء على شرط المسجد للاعتكاف، ولا حد لأكثره، واختلفوا في أقله، فهل ‏يشترط العشرة أو يجوز يوم فأكثر؟ وهل يجوز أقل من يوم؟ والراجح جوازه. ‏

ودليل جوازه ما أخرجه الشيخان، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن عمر سأل ‏النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد"؟ قال: ((‏فأوف بنذرك)). فهذا دليل على جواز اعتكاف الليلة، وهو الذي عليه الجمهور. ‏

وقد داوم النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه، واعتكف بعض أزواجه معه وبعده، فاستدل من ‏أهل العلم من استدل بذلك على أنه سنة، بل إنه سنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان ‏التماسًا لليلة القدر، وقد صح عن كثير من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله، وإن ‏كان الأكثر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعلوه، ومن فعلوه لم يلتزموه، فذلك ‏كافٍ في نفي فرضيته على المسلمين. ‏

هذا، ولم يأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالاعتكاف إلا في حديث الشيخان؛ عن أبي ‏سعيد الخدري –رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواسط من رمضان، ‏فاعتكف عامًا، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها ‏من اعتكافه قال: ((من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ...))". ‏

والشاهد أنه أمر من اعتكف معه أن يعتكف، ولا أعلم نصًا من قرآن ولا سنة جاء فيه الأمر ‏بالاعتكاف إلا هذا، والأمر فيه خاص بمن اعتكف معه العشر الأوسط وليس عامًا بالناس، ‏فحكم الاعتكاف هو الندب إلا أن ينذره المسلم، فيصبح واجبًا عليه بالنذر، ومما يدل على ‏أن فعله مندوب حديث الموطأ: ((ومن اعتكف سنة -أي في رمضان- فليعتكف العشر ‏الأواخر)). ‏

وفي الحديث: ((من أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر))، ولو كان واجبًا لم يتعلق الأمر ‏بالإرادة. ‏ويصح اعتكاف المرأة باتفاق الفقهاء إذا كانت مسلمة مميزة، عاقلة، طاهرة من كل حيض ‏أو نفاس أو جنابة، ولا يكون إلا بإذن زوجها -إن كانت ذات زوج- ويستحب أن تستتر ‏بخباء، ولا يكون خباؤها في مكان يصلي فيه الرجال. ‏

بل ولا بأس بالخباء للرجال في الاعتكاف أيضًا، وذلك لفعله -صلى الله عليه وسلم-، ولأنه ‏أستر للعبادة، وأدعى إلى الإخلاص، ولذا نعلم أن الخباء لستر العبادات قبل ستر العورات‏‏. ‏

واتفق الفقهاء على أن المساجد الثلاثة أفضل من غيرها في الاعتكاف، وأن أفضلها المسجد ‏الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، ويصح الاعتكاف في سائر المساجد، ‏والمسجد الجامع أولى من المسجد الذي لا يجمع فيه. فإن نذر الاعتكاف في مسجد لا يجمع ‏فيه أيامًا غير الجمعة صح عند بعض أهل العلم، فإن كان فيها يوم جمعة ألزمه الشافعية أن ‏يشترط في اعتكافه الخروج لصلاة الجمعة في المسجد الجامع. ‏

وليس للاعتكاف ذكر مخصوص إلا اللبث في المسجد بنية الاعتكاف. ‏

قال النووي: "ولو تكلم بكلام دنيا أو عمل صنعة أو غيرها لم يبطل اعتكافه". ‏

الصوم للمعتكف: ‏

لم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعًا حديث في الأمر بالصوم للمعتكف، وما جاء في ‏حديث أبي داود والنسائي لما سأله عمر –رضي الله عنه- عن اعتكافه عليه أمره أن يعتكف ويصوم، فهو ‏ضعيف، والصحيح ما أخرجه البخاري ومسلم من قوله له: ((فأوف بنذرك)). ‏

وجمهور العلماء على استحباب الصوم للمعتكف، فلو اعتكف في غير رمضان، ثم أفطر ‏عامدًا لم يبطل اعتكافه، واستدل من لم يقل بوجوب الصوم بما أخرجه البخاري ومسلم -‏واللفظ لمسلم- من حديث عائشة -رضي الله عنها-: "وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى ‏اعتكف في العشر الأول من شوال". ‏

ومعلوم أن فيها عيد الفطر الذي يحرم صومه، ويلزم من ذلك صحة الاعتكاف بغير صوم، ‏وجواز الاعتكاف في غير رمضان. ‏

وفي (المغني) قال: "ولو كان الصوم شرطًا لما صح اعتكاف الليل؛ لأنه لا صيام فيه، ولأنه ‏عبادة تصح في الليل، فلم يشترط له الصيام كالصلاة، ولأنه عبادة تصح في الليل فأشبه سائر ‏العبادات، ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع، ولم يصح فيه نص، ولا إجماع". ‏

قال سعيد: "حدثنا عبد العزيز بن محمد عن أبي سهل قال: كان على امرأة من أهلي ‏اعتكاف، فسألت عمر بن عبد العزيز فقال: ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها، ‏فقال الزهري: لا اعتكاف إلا بصوم، فقال له عمر: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ‏لا، قال: فعن أبي بكر؟ قال: لا، قال: فعن عمر؟ قال: لا، قال: وأظنه قال: فعن ‏عثمان؟ قال: لا، فخرجت من عنده فلقيت عطاء وطاووساً فسألتهما، فقال طاووس: كان ‏فلان لا يرى عليها صياماً، إلا أن تجعله على نفسها، وأحاديثهم لا تصح، أما حديثهم ‏عن عمر فضعيف كما سبق". ‏

ثم قال في (المغني): "إذا نيف هذا فإنه يستحب أن يصوم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏كان يعتكف وهو صائم، ولأن المعتكف يستحب له التشاغل بالعبادات والقرب والصوم من ‏أفضلها ويتفرغ به مما يشغله عن العبادات، ويخرج به من الخلاف". ‏

الاعتكاف في المساجد: ‏

فإن نذر المسلم أن يعتكف في مسجد وعينه أجزأه أن يعتكف في مسجد آخر، إلا المساجد ‏الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، لما جاء في فضل الصلاة فيها‏‏، فإن نذر في مسجد من الثلاثة بغير تعيين جاز فيه وفي واحد منها، ولم يجز في غيرها، ‏فإن عينه بأنه المسجد الحرام لم يجز الوفاء بالنذر في سواه، فإن عينه المسجد النبوي جاز ‏فيه أو في المسجد الحرام، فإن عينه في المسجد الأقصى؛ جاز في المسجد الحرام أو المسجد ‏النبوي. ‏

وقد ورد عن بعض العلماء كحذيفة وسعيد بن المسيب وابن مسعود أنه لا اعتكاف إلا في ‏المساجد الثلاثة؛ مستدلين بحديث: ((لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام، ومسجدي هذا، ‏والمسجد الأقصى)). ‏

وقد وفق بعض أهل العلم بين هذه الروايات بأنه محمول على الأفضل، كما في الحديث: ((‏لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)). ونظائر ذلك كثير. ‏

مبطلات الاعتكاف: ‏

ويبطل الاعتكاف بالجماع، ويرى كثير من العلماء فساد الاعتكاف بدواعي الجماع، من ‏مداعبة زوجة، أو تقبيلها، أو غير ذلك من المباحات للرجل مع زوجه في الفطر وفي ليالي ‏رمضان. ‏

ويفسد الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير حاجة، والحاجة التي يجوز الخروج من ‏المعتكف لها: ‏

أ - الخروج لقضاء الحاجة والوضوء والغسل الواجب: بحيث لا يطيل مكثه أكثر مما يحتاج ‏إليه. ‏

قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول؛ لأن ‏هذا مما لا بدّ منه، ولا يمكن فعله في المسجد، فلو بطل الاعتكاف بخروجه له لم يصح لأحد ‏الاعتكاف؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف، وقد علمنا أنه كان يخرج لحاجته‏، والمراد بحاجة الإنسان البول والغائط كنى بذلك عنها لأن كل إنسان يحتاج فعلها، وفي ‏معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه إذا احتاج". ‏

وفي حديث البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ‏لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفًا". ‏

وألحق أهل العلم الخروج للقيء، ولإزالة النجاسة، ولا يلزم بالتكلف في مشيه سرعة، أو ‏جريا، بل يمشي مشيته المعتادة. ‏

ب- أما الخروج للطعام والشراب، فإنه يجوز له الخروج إليه، إذا لم يكن له من يأتيه به، ‏فإذا وجد من يأتيه بحاجته من الطعام والشراب، فلا يجوز له الخروج لذلك، إلا أن ‏الشافعية أجازوا له الخروج من الاعتكاف في المسجد المطروق دون المسجد المهجور؛ لأن ‏الأكل والشرب في المسجد مما يستحيا منه، ولا يجوز الخروج من المسجد للنوم خارجه، أو ‏في منزله. ‏

أما الخروج لغسل الجمعة والعيد، فيجوز الخروج له، إن اشترطه، وإن لم يشترطه ‏فالجمهور على أنه لا يجوز الخروج له. ‏

الخروج لعيادة المريض وصلاة الجنازة: ‏

إذا خرج المعتكف من مسجده الذي يعتكف فيه لقضاء حاجة، أو لطعام لا يجد من يأتيه به‏‏، ثم عرج على مريض لعيادته أو لصلاة الجنازة جاز، بشرط ألا يطول مكثه عند المريض أو ‏بعد صلاة الجنازة، وذلك للحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏‏: "إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة". ‏

وإذا أصاب المعتكف مرض تعذر عليه البقاء به في المسجد لحاجته إلى طبيب معالج، أو ‏خدمة غيره له من غير المعتكفين معه، أو فراش لا يتيسر وجوده في معتكفه، أو كان ‏المريض يلوث المسجد بقيء، أو نحوه، جاز له الخروج، ولا ينقطع به التتابع، فيرجع ‏إذا بريء، ويبني على ما مضى، فإن كان خروجه لإغماء أصابه، فأخرجه غيره، فلا ‏خلاف أنه لا ينقطع، ويلحق الشافعية بالمرض الخوف من لص أو حريق أو نحوه، ولا ‏يفسد اعتكافه إذا خرج بسبب إكراه من سلطان أو غيره له. ‏

ولا يعتبر إخراج يده ولا رجله ولا رأسه من المسجد خروجًا، وإنما الخروج أن يخرج كله ‏من المسجد؛ لحديث البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنه-: "كان النبي -صلى الله عليه ‏وسلم- يصغي إليَّ رأسه وهو مجاور -أي معتكف في المسجد- فأرجله وأنا حائض، وكان لا ‏يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا". ‏

ويظهر من الحديث أن خروج بعض البدن ليس خروجًا، وأن غسل الرأس وترجيله ليس من ‏الحاجات المبيحة لخروج المعتكف من المسجد، ويعتبر من المسجد ما كان معدًا للصلاة فيه، ‏بخلاف التوسعات التي تكون حوله، ويصلي فيها الناس عند امتلاء المسجد، فهذه لا تعد ‏من المسجد على الصحيح، أما سطح المسجد فهو معدود من المسجد، ويجوز الاعتكاف فيه، ‏وكذلك المنارة التي لها باب من داخل المسجد، ويكره للمعتكف الاشتغال عن العبادة ‏بالكلام، أو العمل الذي لا حاجة منه، ويباح له الأكل والشرب والنوم في المسجد كما أن دخول بعض البدن لا يعتبر دخولاً، كما سأل ‏النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة -رضي الله عنها- أن تناوله المخمرة وهو في المسجد، ‏فقالت: "إني حائض"، فقال: ((إن حيضتك ليست في يديك))، ولحديث ميمونة –رضي الله عنها- قالت: "‏تقوم إحدانا بخمرته -صلى الله عليه وسلم- فتضعها في المسجد وهى حائض". ‏

ولا يجوز له البيع ولا الشراء في المسجد، لا في اعتكاف ولا غيره، وإن جاز عقد البيع ‏والشراء والزواج والرجعة للمعتكف في المسجد، ويكره للمعتكف الصناعة في المسجد حال ‏اعتكافه؛ كيحاكة ثوب إلا أن يكون إصلاحًا يسيرًا، وإن لم يبطل الاعتكاف بهذه الأعمال، ‏ويجوز كتابة العلم، ولا يجوز لمعتكف أن يتكسب لصنعة في المسجد، ففي الاعتكاف تفريغ ‏القلب عن أمور الدنيا وتسليم النفس إلى بارئها، والتحصن بحصن حصين، وملازمة بيت الله -‏تعالى-. ‏

وعلى المعتكف أن يشتغل بالقرآن والعلم والصلاة والذكر، ويجوز له أن يقوم بالتدريس ‏لمعتكف أو معتكفين؛ يدرس لهم مسائل من الشرع، ويستحب له اجتناب ما لا يعنيه من ‏جدال ومراء وكثرة كلام. ‏

ويجوز للمعتكف التطيب ليلاً ونهارًا ويجوز له قص الظفر أو الشارب، ويجوز له ارتداء ‏الملابس الحسنة المباحة. ‏

ومن نوى الاعتكاف أياماً من غير نذر ثم بدا له أن يخرج من اعتكافه فلم يتمه، فلا شيء ‏عليه، ولا يجب عليه القضاء ولو كان واجبًا بمجرد النية لما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏وزوجاته بعد أن نصبوا الخباء، كما في حديث الصحيحين الآتي. ‏

قال الزهري: "عجبًا من الناس كيف تركوا الاعتكاف، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ‏يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قبض". ‏

ويسن للمعتكف الاجتهاد في العمل المشروع تقربًا إلى الله -تعالى- من صلاة وذكر وعلم؛ لحديث ‏عائشة -رضي الله عنها-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ‏ليله، وأيقظ أهله". ‏

ويسن له تحري ليلة القدر لحديث أبي هريرة –رضي الله عنه-: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ‏من تقدم من ذنبه)). ‏

ولحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجاور في ‏العشر الأواخر من رمضان ويقول: ((التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من ‏رمضان))". ‏

وقال في الشرح الكبير: "ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان استحب أن يبيت ليلة العيد ‏في معتكفه". ‏

من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في الاعتكاف: ‏ عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في العشر ‏الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح، ثم يدخله"، قال: "فاستأذنته ‏عائشة أن تعتكف، فأذن لها، فضربت فيه قبة، فسمعت بها حفصة، فاستأذنت عائشة ‏أن تضرب خباء، فأذنت لها، فضربت خباء أو قبة، فلما رأته زينب ابنة جحش ضربت ‏خباء آخر، فلما أصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى الأخبية، وأبصر أربع قباب، فقال ‏‏: ((ما هذا؟)) فأخبرنه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما حملهن على هذا؟ آلبر ‏تردن -أو قال: آلبر تقولون بهن- ما أنا بمعتكف)). ثم اعتكف عشراً من شوال". ‏

وعن صفية -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنها جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوره في ‏اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان وعنده أزواجه فرحن فتحدثت عنده ساعة، ‏ثم قامت تنقلب، فقال لصفية بنت حيي: ((لا تعجلي حتى أنصرف معك))، وكان بيتها ‏في دار أسامة بن زيد، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها، حتى إذا بلغت قريبًا ‏من باب المسجد الذي عند باب أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بهما رجلان من ‏الأنصار، فسلما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنظر إلي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ‏ثم أجازا -أسرعا- فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((على رسلكما، تعاليا، إنما هي صفية ‏بنت حيي)). فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكبر عليهما ذلك، فقال النبي -صلى الله ‏عليه وسلم-: ((إن الشيطان يبلغ -أو قال- يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت ‏أن يقذف في قلوبكما سوءًا))". ‏

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل ‏رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا". ‏

وعن أبي سلمة –رضي الله عنه- قال: "انطلقت إلى أبي سعيد الخدري، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل ‏نتحدث؟ فخرج، فقال: قلت: حدثني ما سمعت من النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر ليلة ‏القدر؟ قال: اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر الأول من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، ‏فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فقام ‏النبي -صلى الله عليه وسلم- خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان، فقال: ((من اعتكف مع ‏النبي -صلى الله عليه وسلم- فليرجع)). فرجع الناس إلى المسجد". وفي رواية: "فخطب الناس ‏يأمرهم ما شاء الله، ثم قال: ((كنت أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي ‏فليثبت في معتكفه، فإني أريت ليلة القدر، وإني أنسيتها، وأنها في العشر الأواخر، ‏وابتغوها في كل وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء من صبيحتها)). فلما رجع إلى ‏معتكفه وهاجت السماء، فمطرنا، فوالذي بعثه بالحق لقد هاجت السماء من آخر ذلك ‏اليوم في مصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة إحدى وعشرين، وأقيمت الصلاة فصلى بنا ‏فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين والماء على ‏جبهة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأرنبته -أو قال:- فبصرت عيني نظرت إليه حين ‏انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينًا وماء لتصديق رؤياه -صلى الله عليه وسلم-".‏

الكاتب : محمد صفوت نور الدين

المزيد في هذه الفئة : « ماء زمزم صلاة قيام الليل »